فلسطين مقابل الأسد

سميح صعب

ما الذي، غير تصفية القضية الفلسطينية تماماً، يمكن أن يغري "اسرائيل" بالدخول المباشر في الحرب السورية؟ "اسرائيل" تجد أن الظروف الإقليمية تلائمها أفضل الملاءمة الآن للقيام بالدور الذي كانت الدول العربية وتركيا تطالب أميركا وحلف شمال الأطلسي، تحت مسمى الأسرة الدولية، بالقيام به في سوريا أي توجيه ضربات عسكرية إلى القوات السورية النظامية كي يتسنى لمقاتلي "جبهة النصرة" و"الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) وما تبقى من "الجيش السوري الحر" التقدم في اتجاه دمشق وغيرها من المدن السورية التي لا تزال في ايدي الحكومة السورية.

هذا السيناريو هو ما كان يطمح إليه بعض الدول العربية وتركيا. لكن عدم رغبة الرئيس الأميركي في التورط في حرب جديدة في "الشرق الأوسط"، حال دون تدخل عسكري غربي مباشر في الأزمة السورية، ليستعاض عنه بتقديم مساعدات عسكرية وبتحصين حدود دول مثل تركيا والأردن في مواجهة احتمالات تعرضها لضربات انتقامية كونهما تشكلان قاعدتين أساسيتين لتدفق السلاح والجهاديين من أنحاء العالم إلى سوريا.

ولكن بعد ثلاث سنوات على الأزمة السورية، تبين أن "الجهاديين" وحدهم ليسوا قادرين على إسقاط النظام السوري وأن الخسائر التي تلحق بهم تتعاظم، وأن هؤلاء إذا ما استمروا يواجهون مأزقاً أمام تسلمهم السلطة في سوريا سيرتدون بعضهم إلى قتال البعض، كما يحصل في مناطق سورية عدة، أو أنهم سيوجهون زخمهم إلى الدول التي ساعدت على تجنيدهم وإرسالهم إلى سوريا. وقد بدأت هذه الدول فعلاً اتخاذ إجراءات لحماية نفسها من "جهاديي" سوريا كي لا تتكرر تجربة "جهاديي" أفغانستان.

وفي غياب دلائل على أن النظام في سوريا في وارد تسليم السلطة في "جنيف2" كما كانت تأمل واشنطن، ولأن موسكو ليست في وارد الانقلاب على الرئيس السوري بشار الأسد، ولأن إيران لم توقف دعمها لدمشق على رغم العروض الأميركية في هذا المجال، ها أنه يستعان بـ"اسرائيل" اليوم، على أساس أن الذريعة جاهزة لتبرير تدخلها العسكري لقلب الموازين في الميدان.

لكن "اسرائيل" تريد مقابل ذلك ثمناً باهظاً يتمثل في مباركة الدول العربية لإنهاء القضية الفلسطينية مرة واحدة وإلى الأبد. ولا يبدو أن الدول العربية في وارد الممانعة في أي صفقة بالمنطقة إذا كانت تتضمن شطب النظام السوري ومعه النفوذ الإيراني في لبنان وباقي "الشرق الأوسط" من المنطقة.

هدف تلتقي حوله "اسرائيل" والدول العربية اليوم. لذلك تشكل الغارة "الاسرائيلية" على (جنتا) في البقاع، خطراً بالغاً نظراً إلى ما يمكن أن يليها من تطورات قد يرى البعض أنها ستكون نزهة، لكنها ستفتح المنطقة بكاملها على حرب شاملة لا يمكن التنبؤ بنهاياتها. من هنا يصير مفهوماً لماذا فتحت واشنطن جبهة أوكرانيا في مواجهة روسيا اليوم!

"النهار" بيروت 1/3/2014