الجيش العراقي أسطورة تروى لكل الأجيال

فؤاد الحاج

بالرغم من حل جيش العراق العظيم بقرار من الحاكم بأمره الجنرال المدني بول بريمر ممثل مجرم القرن الحادي والعشرين، قرن إضاعة حقوق الشعوب، قرن الإجرام الأمريكي العالمي، رئيس إدارة الشر الصهيو-أمريكية السابق "الجمهوري" بوش الصغير، فإن الشرفاء والأحرار في أرجاء العالم وفي كافة البلاد العربية يحتفلون مع إطلالة كل عام بتاريخ السادس من كانون الثاني/يناير بذكرى تأسيس صانع الأمجاد والملاحم البطولية جيش الأمة العربية ودرعها الواقي، الجيش العراقي الباسل، كون هذه المناسبة علامة بارزة ونقطة تحول مضيئة في تاريخ الأمة العربية، وتاريخ الأرض الممتدة من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي. لأن أرض الرافدين العريقة بتاريخها، وتراثها الخالد، كعراقة أبنائها وشهامتهم في الذود عن حياض الوطن، عراق المجد وأرض الحضارات الإنسانية، ومهد البشرية والشرائع الأولى، التي خرج منها أشور بانيبال ونبوخذ نصر وغيرهم من القادة العظماء، كما هي أرض الأمة العربية التي أنجبت سعد بن أبي وقاص، وطارق بن زياد، وخالد بن الوليد، وصلاح الدين الأيوبي، وجمال عبد الناصر، وصدام حسين وغيرهم الكثير من القادة الأفذاذ الذين عرفتهم مشارق الأرض ومغاربها، من أجل إحقاق الحق وتحرير الإنسان والأرض، ونشر رسالة السلام، فأنه يحق لكل الشرفاء والأحرار في البلاد العربية وفي العالم أن يفخروا بهذا الجيش.

وفي هذه الذكرى لا بد من الحديث وإن بإيجاز عن تاريخ هذا جيش العراق العظيم، الذي كان طيلة أكثر من ثمانية عقود من نشوء النواة الأولى والرعيل الأول لطلائع الجيوش العربية بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وهزيمة الأتراك عام 1918، وكان الحارس الأمين، والمدافع المخلص عن وطنه وعن الأمة العربية، حيث شارك بجميع الانتفاضات الوطنية والقومية، إن داخل القطر العراقي إبان فترة الاحتلال البريطاني للعراق، أو في الوطن العربي الكبير، وتاريخ العراق الحديث يزخر بمفاخر نضالية تؤكد ذلك، كما تؤكد حيوية الشعب العراقي العظيم وعدم خضوعه ورضوخه للظلم والاستبداد مهما كان الثمن، ومهما كانت قدرة بطش الغزاة تكنولوجياً وعسكرياً. وتاريخ العشرينات من القرن الماضي يحدثنا عن بطولات هذا الجيش المدعوم من قوى شعب العراق المناضل ضد الغزاة البريطانيين الذين فقدوا عشرات الآلاف من جنودهم في عراق العز والفخر مما اضطرهم إلى الهروب من العراق في ليلة ظلماء. وكذلك في الحقب المتتالية من القرن العشرين المنصرم، التي تحدثنا عن بطولات جيش العراق العظيم الذي كان سباقاً في تلبية نداء الواجب الوطني والقومي في مواجهة الغزاة والمستعمرين منذ بداية احتلال فلسطين العربية وإقامة الكيان الصهيوني على أرضها عام 1948، وفي عدوان الخامس من حزيران/يونيو عام 1967، وفي حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، وفي تصديه ودحره للعدوان الصفوي الإيراني خلال ثمان سنوات من الحرب الضروس، حيث حقق أعظم الانتصارات على قوى الشر القادمة من الشرق، فأرهب أعداء الإنسانية الذين تكالبوا عليه كتكالب الذباب على القصعة، مما حداهم لإقامة ائتلاف من قوى الشر من الصهاينة والمجوس المتسترين برداء رجل الدين، وبمساعدة من أذيالهم أنظمة الذل والعار وجامعتهم المهترئة الناطقين بالعربية. ثم في المنازلة الكبرى في (أم المعارك) وتصديه للعدوان الثلاثيني الذي قادته أعظم قوة للشر في العالم برئاسة بوش الأب نيابة عن كل أعداء الإنسانية في العالم، حيث ضرب جيش العراق البطل أروع الأمثلة في الصمود ومقاومة الغزاة وردع المعتدين.

فمن ربوع شمال العراق الشامخة كشموخ شعب العراق الأبي إلى سفوح البصرة وشط العرب، ومن رمال الصحراء العربية ومياه الخليج الدافئة إلى نهري دجلة والفرات، وفي كل صخر وادي وفي كل القفار والفيافي ملاحم جيش العراق العظيم ستظل تروي روايات تتناقلها الأجيال لتبقى سجل مشرف لتاريخ العراق المجيد عبر العصور.

وإننا إذ نستقبل هذه الذكرى المجيدة في الوقت الذي تطل علينا ذكرى العدوان الأميركي-الصهيوني-الأطلسي-العربي الرسمي للجريمة النكراء للهجوم البربري الثلاثيني الذي قادته إدارة الشر الصهيو- أميركية في السابع عشر من كانون الثاني/يناير 1991، لتصب نيران صواريخها واليورانيوم المنضب حقداً على العراق وجيشه، مستخدمة آخر ابتكارات وسائل الإبادة الجماعية لقتل روح النضال لدى شعب العراق الذي أنجب هذا الجيش العظيم، متحدية بذلك أبسط القيم والمبادىء الإنسانية وألقت طيلة 43 يوماً وليلة بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ الفتاكة، ولم تسلم من القصف حتى المستشفيات ودور العبادة والملاجىء، كل ذلك تم مع الأسف الشديد بمشاركة خمس جيوش دول يقال أنها عربية، لتقاتل دولة عربية كانت تعتبر القوة الاحتياطية والذخيرة الأساسية، وبارقة الأمل الوحيدة لمستقبل هذه الأمة، وتطلعات شعوبها نحو الحرية، والاستقلال، والتقدم.

ففي جريمة السابع عشر من كانون الثاني/يناير النكراء تم الكشف عن مدى التواطوء والضلوع المخزي لأنظمة الذل والعار العربية، وتبعيتها، وعمالتها المكشوفة لمحافل الشر الدولية بقيادة أمريكا وقاعدتها الصهيونية المزروعة في قلب بلاد العرب، بعد الاعتداء البربري والهمجي ضد شعب العراق البطل.

وأن ما حدث سيظل وصمة عار في جبين الحكام الناطقين بالعربية والفرس الشعوبيين الحاقدين الذين شاركوا جنباً إلى جنب مع أعداء الإنسانية وأعداء الأمة العربية في تدمير العراق، وتحقيق مطلب قوى الشر العالمية في "إعادة العراق إلى عصر ما قبل الصناعة"، بعد غزوه واحتلاله.

وعلى أنظمة الذل والعار أن يعرفوا أن الشعوب لا ولن تنسى غدرهم وخياناتهم وتبعيتهم لقوى الشر العالمية والإقليمية، وأن إزالة مخلفات الحرب والآثار النفسية التي تركوها في ذاكرة شعوبهم أولاً، وفي ذاكرة الأجيال القادمة، كما في ذاكرة كل الأحرار والشرفاء في العالم لا يمكن إزالتها مهما طال الزمن، لأن كتب التاريخ ستذكر أنه في اليوم السابع عشر من كانون الثاني/يناير 1991، وفي التاسع عشر من شهر آذار/مارس 2003 ميلادي تم تدمير وغزو واحتلال العراق وحل جيشه الوطني والقومي بمساعدة أنظمة الخيانة والفساد والتبعية للأجنبي، خوفاً وحقداً وعداوة مع نظامه الوطني وقيادته القومية التي مثلها ويمثلها، فكر ومبادئ حزب العروبة والتحرير، حزب البعث العربي الاشتراكي، تماماً كما يذكر التاريخ اليوم هولاكو والعلقمي. لذلك فأننا لا نتعجب من مواقفهم الخيانية لبلدانهم أولاً، ولكل الأمة ثانياً، حين نراهم يحجون إلى البيت البيضاوي في واشنطن ويتمسحون بعتبات الكيان الصهيوني، وموافقتهم على استمرار احتلال العراق وغزوه بحجج واهية، تجد لها من يبررها من كتبة السلطان كما كانوا يفعلون خلال فترة الحصار الصهيو-أمريكي الجائر الذي استمر لأكثر من (12) عاما، بعد أن مات مئات الآلاف إن لم يكن الملايين من أجيال العراق، بعد أن تم تدمير المجتمع العراقي والبيئة العراقية وكذلك بيئة دول الجوار في الخليج العربي وفي بلاد نجد والحجاز، التي تحولت إلى موطئ قدم للأجنبي ضد العراق!. معتقدين أنهم باستقبالهم ملايين العراقيين في دول الخليج العربي وفي بعض البلاد العربية الأخرى إن بالمئات أو بالألوف، أنهم بفعلتهم هذه إنما يعتقدون أنهم يتخلصون من عقدة الذنب التي ارتكبوها في مساهمتهم بتدمير العراق واعتقال قيادته وإعدام رئيسه وعدد من أعضاء الحكم الوطني الشرعي، وإبقاء الأستاذ طارق عزيز نائب رئيس مجلس الوزراء، وحامد يوسف حمادي وزير الثقافة، والدكتور محمد مهدي صالح وزير التجارة، وعدان عبد المجيد وزير الصناعة والمعادن، والدكتور أوميد مدحت مبارك وزير الصحة، وحكمت العزاوي وزير المالية ونائب رئيس مجلس الوزراء، والدكتور همام عبد الخالق وزير الإعلام، ومحمود ذياب الأحمد وزير الداخلية وغيرهم من أعضاء الحكومة الوطنية الشرعية، إضافة إلى قتل وتشريد مئات الآلاف من أبنائه إن داخل العراق أو خارجه في أصقاع الأرض! في الوقت الذي مازالوا يستقبلون عناصر حكومة الدمى الصهيو-فارسية، ويقيمون معهم العلاقات ويفتحون السفارات في بغداد تحت الاحتلال، ويطالبون علناً وسراً بإبقاء قوات الاحتلال بذريعة "الخوف من الفوضى"! ولكنهم نسوا أو تناسوا أن الأمهات العراقيات الذين أنجبوا أبناء جيش العراق العظيم وقياداته، لا ولن يموتوا أو يزولوا طالما بقيت الماجدة العراقية تنجب.

ففي ذكرى تأسيس الجيش العراقي الخالدة، نقف بخشوع وقفة عز وعنفوان أمام ذلك الجندي العراقي البطل الذي استشهد وهو يدافع عن عزة العرب وكرامتهم في فلسطين العربية، وفي سيناء، وفي الجولان، وفي عربستان، وفي كل شبر من أرض العروبة.

إليك يا جندي العراق المعلوم والمجهول، يا من سطرت بدمائك الزكية الطاهرة، تاريخ وأسطورة، وكنت سرمدي في جبروتك ضد المحتلين الغزاة، خالد في سوح النضال والشرف، نهديك أكاليل المجد والغار التي ستبقى على جبهتك العالية المظفرة، عبر صفحات الأيام التي ستبقى تحكي عن إقدامك كمقاتل عنيد من أجل الحق والحرية حتى الرمق الأخير، من أجل أهداف سامية، وطنية وقومية، هي لجميع القوى الخيرة من أبناء الشعب العربي دون مزايدات أو شعارات وبتطبيق القول بالفعل.

أما أولئك الذين خذلوك، وغدروا بك، وطعنوك من الظهر ستصب عليهم شعوبهم جام غضبها، وغضب الشعب العربي قاطبة وكل الأحرار والشرفاء في العالم، فالخائبين وحدهم القابعين في قصورهم وعلى عروشهم، وكافة مشايخ العار والمارقين وحدهم تنطلي عليهم أكاذيبهم، وأباطيلهم، وترتد عليهم وعلى نحورهم.

وبهذه المناسبة المجيدة، وبمناسبة ذكرى العدوان الثلاثيني الغاشم على عراق العز والفخر، فإن كل الأحرار والشرفاء في العالم ينحنون أمام عظمة جيش العراق الوطني القومي، ويزدادون قوة ومناعة في مواجهة طاغوت الشر الصهيو - أمريكي - الصفوي المتمثل بما يسمونه "النظام العالمي الجديد" و"الشرق الأوسط الجديد" بعد أن انفضحت ألاعيبهم السياسية، والتي بات الجميع يعرف أنها غزو والعراق واحتلاله وحل جيشه الوطني إما هو من أجل السيطرة على الثروات الطبيعية وتقاسمها إن العراق أو في الخليج العربي، والأهم هو حماية وتثبيت الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، تحقيقا لنبؤات الشر التي يروج لها بعض الدجالين والأفاكين، بما يسمونه "معركة المصير" أو "نهاية العالم" والتهيئة لقدوم "المهدي المنتظر" ومجيء المسيح الدجال! وما إلى هنالك من خزعبلات.

تحية إجلال وإكبار لمسيرة جيش العراق الظافرة.

المجد والخلود لشهداء العراق الأبرار.

والنصر لشعب العراق العظيم الصامد والصابر على ظلم ذوي القربى.

وتحية إجلال وإكبار للأكرمين في العراق العظيم وفلسطين السليبة.

 

من أرشيف "المحرر" العدد 286 - 6/1/2009

http://www.al-moharer.net/moh286/fouad286d.htm