جامعاتنا الفاشلة ونخبنا المفكرة

أزراج عمر

من حين إلى آخر أعود إلى مقدمة العلامة ابن خلدون لأنهل من أرائه المتبصرة ونظرياته العلمية التي سبق بها عصره ويبدو أنه لا يزال يسبق حتى العصر العربي الحالي الذي يصرّ على الدوران في دوامة التخلف حتى الغرق.

يقول ابن خلدون: إن ((الصنائع لا بدّ لها من العلم))، ويبرز أيضا أن ((تعليم العلم من جملة الصنائع)). ويعني هذا أن ابن خلدون ينظر إلى كل ما يؤسس للمدنية وللحضارة على أنه صناعة وفن وعلم بدءا من الفلاحة مروراً بالبناء والنجارة والتوليد وانتهاء بالغناء والوراقة إلخ.. ومما يؤسف له هو أنه قد مضى أكثر من خمسة قرون على هذه الأفكار الخلدونية الجريئة والتنويرية ولكن مؤسسات التعليم لم تستوعبها نظرياً ولم تفعلها ميدانياً أيضاً.

والأدهى والأمر هو أن جامعاتنا التي يعلو أغلبها صدأ الفقر العلمي والفقر الأخلاقي في آن واحد لم تتمكن بدورها إلى يومنا هذا من العمل بشروط الفن والصناعة والعلم. في هذا السياق يمكن لنا تسجيل هذه الملاحظة وتتمثل في تفاقم ظاهرة القابلية للتخلف في مؤسساتنا التربوية وبالأخص الجامعية منها.

وهنا نرى أن شبح التخلف يعشش باستمرار في مؤسسات التعليم العالي ببلداننا جرّاء عدم ربط التعليم العالي بالتنمية الناجحة، وعدم انتقاء المواهب والكفاءات والسهر على تكوينها الأولي والمتواصل على أيدي إطارات معروفة بسعة علمها في ميدان تخصصها، وانغلاق الجامعات العربية على التجارب الجامعية الناجحة في العالم وخاصة في العالم الغربي وفي آسيا، فضلاً عن الفشل الذريع في جعل الإرساليات الطلابية إلى الخارج تقليداً أكاديمياً علمياً ثابتاً ومتطوراً بسبب الغش و(البزنسة) حين انتقاء المترشحين، إلى جانب الفشل في الاحتفاظ بالكفاءات عن طريق تشجيعها واحترامها وتوفير المناخ العلمي والحاجيات المادية المطلوبة لها، الأمر الذي أدّى بها إلى الهجرة إلى الجامعات والمراكز العلمية الأجنبية.

لا شك أن تغييب حرية البحث العلمي وإسناد ما يسمّى بمخابر البحث إلى أشخاص لا تتوفر فيهم المقاييس قد جعل جامعاتنا تفتقد إلى المناخ الصحي والإبداعي الذي يجعلها قلاعاً تتكون وتزدهر فيها نخب من كبار العلماء والتقنيين والفلاسفة والأدباء والسياسيين والمفكرين ونقاد الفكر والأدب والفن وذلك من أجل نقل مجتمعاتنا من أطوار الغبار والوحل والفوضى والانحطاط إلى طور تجسيد جماليات الصنائع ومنطقها العملي وجماليات التدبير السياسي والاجتماعي والاقتصادي والتطور الفني.

* كاتب من الجزائر

"العرب" لندن 13/2/2014